نظرية إريكسون Erik Erikson في النمو السيكولوجي
نظرية إريكسون Erik Erikson في النمو السيكولوجي:
علم النفس Psychology من العلوم الهامة في عصرنا ولا يمكن للمربي بحال من الأحوال الاستغناء عن نتائج هذا العلم لأنه يبين خصائص النمو لكل مرحلة عمرية من مرحلة الطفولة إلى مرحلة الشيخوخة ويشرح هذا العلم حاجات الإنسان الجسمية والعقلية والاجتماعية والنفسية بغرض التعامل معها بالشكل الأمثل.
وبما أن التربية هي عملية لتغيير السلوك الإنساني فإن علم النفس من المفاتيح الهامة لفهم أغوار النفس من أجل التنمية وتحقيق الصحة النفسية.
في كل يوم تكتشف الدراسات المزيد من الأسرار النفسية في ميدان علم النفس العلاجي والأسري والاجتماعي.
الأصول النفسية للتربية تدرس طبيعة المتعلم وكيفية تغيير سلوكه وبذلك فإن دراسة المتعلم ودوافعه وحاجاته والفروق الفردية ودور كل من الوراثة والبيئة في تشكيل شخصية الإنسان وطرائق التعلم كلها من الموضوعات التي تدخل في دائرة الأسس النفسية.
وعلى ذلك فإن الأصول النفسية للتربية تبصر المربي وتقدم له الأسس الخاصة بكيفية التعامل مع المتعلم وفق طبيعته الإنسانية في جميع مراحل حياته وكيفية التفاعل بين السلوك الإنساني والبيئة المحيطة.
وفيما يلي
سنتناول وبشيء من التفصيل
نظرية إريكسون Erik Erikson في النمو السيكولوجي
سنتناول وبشيء من التفصيل
نظرية إريكسون Erik Erikson في النمو السيكولوجي
نظرية أريكسون في النمو السيكولوجي:
إرك أريكسون Erik Erikson 1902-1994 عالم أمريكي من أصل ألماني ركز في دراساته المتعلقة في علم النفس على السمات الاجتماعية لنمو الشخصية منذ مرحلة الرضاعة إلى مرحلة الشيخوخة. تأثر بمدرسة التحليل النفسي ولعبت آنا ابنة فرويد دوراً كبيراً في تحويل انتباه أريكسون نحو علم النفس.
انصب جهد أريكسون على دراسة الطفولة والمجتمع من زاوية نفسية. لم يركز تماما على الجانب البيولوجي أو المراحل الأولى لحياة الطفل كما فعل فرويد الذي أكد في دراساته على أن أهم مرحلة تحدد معالم الشخصية هي مرحلة وخبرات الطفولة والمراهقة المبكرة (Carlson, 1988, pp. 460,167).
يرى أريكسون أن المؤثراث التي تحدد شخصية الفرد كثيرة وهي مُستمرة من بداية إلى نهاية حياة الإنسان، من مراحل الطفولة إلى الرشد والكهولة. يرى أريكسون أن الإنسان يمر بتسع مراحل في حياته وفي كل مرحلة من هذه المراحل يواجه صراعاً نفسياً اجتماعاً (Psychosocial Crisis) يؤثر في نموه ونفسيته (Parkay & Stanford, 2001, p. 291 ).
قسم أريكسون مراحل نمو شخصية الإنسان إلى المراحل التالية:
- مرحلة الرضاعة (من الميلاد إلى 18 شهر) وهي مرحلة السنوات الأولى التي تشهد صراعاً نفسياً اجتماعياً بين ثقة الطفل بالمحيط الخارجي أو عدم الثقة ومن خلال عناية الأم خاصة بالطفل وسرعة الاستجابة لاحتياجاته تنمو مشاعر الثقة عنده فيتولد الأمل والثقة بالبيئة من حوله. وفي حالة الفشل في تنمية مشاعر الثقة فإن مظاهر الخوف والشك والقلق تتأصل في نفس الطفل. الحصول على الطعام أهم حدث في حياة الطفل في هذه المرحلة. لقد أكد أريكسون على ضرورة إرساء أساس الثقة في المرحلة الأولى وهذا يتطلب الرفق وإشباع الطفل عاطفياً. تكمن الخطورة في الأم المُرهقة والأب العصبي عندما يبكي الرضيع في منتصف الليل فلا يستطيعان تلبية احتياجاته بالشكل المطلوب.
- مرحلة الطفولة المبكرة وتبدأ تقريباً من 18 شهر إلى 3 سنوات وفي هذه المرحلة يتعرف الطفل على قدراته وامكانياته في ممارسة الفرص التي يختارها. ويبدأ الطفل يشعر بنوع من القدرة على التحكم بالنفس وضبطها والثقة بها. وإن لم تستطع الأسرة تربية الطفل وإشباع حاجاته النفسية فإنه يشعر بالنقص وخسارة للقدرة الكامنة في النفس يتولد عنده الشعور بعدم القدرة على التحكم بالنفس. أهم حدث في حياة الطفل في هذه المرحلة أنه يتعلم دخول بيت الخلاء كي يقضي حاجته. الطفل مستعد لتنمية قدراته الحركية والعضلية كالمشي.
- مرحلة اللعب وهي تبدأ من السنة الثالثة إلى السنة السادسة وتظهر سمات المبادرة في المشاركة في الأنشطة والأهداف وإعطاء توجيهات والتمتع بلذة إنجاز العمل. يقصد أريكسون بالمبادرة أن سلوك الطفل يتحول من سلوك عشوائي إلى سلوك هادف (مرهج, 2001, ص 131). في المقابل فإن الظروف الاجتماعية المُحبطة للطفل قد تُولد في نفس الطفل في هذه المرحلة الخوف من العقاب والكبت والتقوقع على النفس بدل الانطلاق مع الناس فيشعر بالذنب. يتعلم الطفل التحكم بالنفس وقد يتعرض إلى اكتساب الخجل الزائد والشك إذا لم يراعِ الآباء والأمهات طبيعة هذه المرحلة. أهم حدث في هذه المرحلة أن الطفل يمر في مرحلة عدم الاستقلالية.
- سن الدراسة من ست سنوات إلى البلوغ (12 سنة) وهي مرحلة المثابرة والجد والاجتهاد والبذل إذا يتلقى الطفل العناية المطلوبة وإلا فإن هذه المرحلة ستشهد سلبيات كبيرة مثل الشعور بالذنب والتقصير والصراع النفسي النابع من الشعور بالدونية والشعور بالنقص. أهم حدث في حياة الطفل في هذه المرحلة أنه يدخل المدرسة وهي خبرة جديدة وحرجة. يقوم الطفل بتحسين خبراته والتمكن من مهاراته الدراسية كالقراءة والكتابة والتحدث والاستماع.
- مرحلة المراهقة وتتشكل في هذه المرحلة مشاعر الاستقلال بشكل أعمق ويكون الفرد لنفسه هوية تحدده، وشخصية مُستقلة تُميزه وتغذي مشاعر الولاء للمجتمع. وفي هذه الفترة قد يتعرض المراهق إلى سلسلة من الصراعات النفسية الاجتماعية المتعلقة بالضياع في تحديد الهوية ومعرفة النفس. وقد عبر أريكسون عن هذه المرحلة بأنها تسمى مرحلة "أزمة الهوية" مما جعل "العديد من علماء النفس يعترضون على اختيار "أريكسون" كلمة "أزمة" وفضلوا استعمال كلمة "استكشاف" لوصف خبرة المراهق في البحث عن هوية, وهذا البحث يتم بشكل تدريجي" (مرهج, 2001, ص 231). أهم حدث في حياة الإنسان في هذه المرحلة أن المراهق يكون علاقات صداقة قوية ويتكيف مع التغيرات الجسدية والفسيولوجية ويتحمل المسئولية ويستقل عاطفيا ويستعد للزواج وللتفكير في اختيار مهنة مناسبة (موسوعة الأسرة، 2002، ص 203). هذا من منظور أريكسون أما المسلم فإضافة إلى هذه السمة فإن البلوغ يعني التزام المراهق بالأحكام الشرعية وأنه مسئول عن التقصير فيها. في الإسلام رُفع القلم عن الصبي حتى يبلغ سن المراهقة فلا يؤاخذ شرعاً على التفريط والتقصير في أمور الشرع والفرائض مندوبة له قبل سن البلوغ كي يعتاد ممارستها وينال بركة وأجر التمسك بها. يجب أن يتعلم المراهق معاني الصبر والتمسك بالقيم، ومن الطبيعي أن تتوتر علاقات الأسرة أحياناً في هذه المرحلة لأن المراهق يبحث عن هوية مستقلة ولا يعرف كيف يبنيها أو يعبر عنها ومن الأخطاء التي نقع بها كآباء وأمهات أننا لا نغير نظرتنا ومعاملتنا للمراهق فنعامله كطفل فينفر عنا.
- مرحلة الرشد المُبكر وهي مرحلة يأنس فيها الفتى بالآخرين وتنمو مشاعر الحب والارتباط بهم كما أن هذه المرحلة قد تشهد مرحلة صراع نفسي يبرز من خلال الانعزال والابتعاد عن الناس فيتجنب الارتباط الشعوري بهم. أهم حدث في هذه المرحلة أن الشخص يتعلق بالحب وبتكوين العلاقات كما يقول أريكسون. في هذه المرحلة تتبلور توجهات الفرد الوظيفية والدينية والسياسية. يعرف الشخص أيضاً وظيفته الاجتماعية فالرجل يعرف دور الرجل والمرأة تعرف دور المرأة حسب طبيعة المجتمع. على الشخص أن يحقق هويته الخاصة في مرحلة الرشد المُبكر.
- مرحلة الرشد وأوانها منتصف العمر وهي مرحلة تشهد نشاطاً ونمواً واضحاً للاهتمام بالآخرين وتوسيع نطاق الاهتمام بتبعات علاقات الحب التي تكونت في مرحلة الرشد مثل مساعدة الأبناء والعطاء والحركة. يجب أن يطور علاقات وثيقة مع الآخرين وإلا فإنه سيعاني من العزلة والركود والخمول. ومن المخرجات السلبية لهذه المرحلة زيادة بُعد الفرد عن الآخرين وتجنب الارتباط بهم إذا خسر الشخص صراعه النفسي الاجتماعي. أهم حدث يميز هذه المرحلة أن الشخص يبدأ في تقديم النصائح ويمارس دور الأبوة للرجل والأمومة للمرأة في رسالة خالدة لدعم الجيل القادم.
- مرحلة الكهولة: تظهر ملامح الحكمة والتأني والتفكر بالقيم مثل الصلاح والاستقامة وتنشط عملية التأمل بمعنى الحياة وقبول فكرة الموت كنهاية حتمية للإنسان. من الجوانب السلبية في هذه المرحلة العُمرية الشعور بالملل وضعف الأمل أو حتى القنوط. أهم حدث في هذه المرحلة أن المرء يبدأ بالتأمل العميق ويقبل نفسه ويرضى عنها أو يقع في براثن اليأس.
- قبل موت أريكسون في سنة 1994م وعندما كان عمره 91 سنة أضاف مرحلة تاسعة إلى نموذجه وهي مرحلة دنو الأجل. زوجته جين أريكسون (1901-1997م) التي عاشت قريبة من فكره ودراساته شرحت بعض سمات هذه المرحلة فقالت أن التحدي في المرحلة التاسعة يتمثل في مواجهة القنوط ففي المرحلة الثامنة يظهر هذا التحدي ويصاحب المرحلة التاسعة خاصة مع ظهور العجز في الجسد وفقد القدرة على أداء بعض الأعمال. الصراع في هذه المرحلة بين الثقة بالنفس وبين ضعف الثقة بها. الأمل لا يستطيع إزالة حدة التأزم النفسي في هذه المرحلة (Parkay & Stanford, 2001, p. 291 ).
من الملاحظ أن أريكسون تحدث في نظريته عن دورة الإنسان في الحياة من المهد إلى مرحلة أرذل العمر وحدد في كل مرحلة من المراحل العمرية السابقة مخرجات إيجابية وسلبية. وتظل الصراعات النفسية واجتيازها من أساسيات نظرية أريكسون في كل مرحلة من المراحل. وحسب نظريتة، فإن هناك تسع مراحل لنمو الفرد منذ الميلاد وحتى دنو الأجل. ناتج النمو الصحيح (الرشيدي والخليفي، 1997م، ص 469) هو التدرج في اكتساب المهارات التالية: الثقة، التحكم بالجسد، المبادرة، المثابرة، الاستقلال، تكوين علاقات اجتماعية ناضجة، العطاء، الحكمة، مواجهة الضعف بالثقة. النظرة المُتفحصة لنظرية أريكسون ترشدنا إلى مفهوم الأمل الذي يبدأ مع الطفل من البداية ويمكن أن يَضعف هذا المفهوم في وجدان الإنسان في النهاية حينما يصل المرء إلى مرحلة دنو الأجل ثم مرحلة أرذل العمر.
وضعنا بعض تعليقاتنا في ثنايا النظرية السابقة والآن نضيف إليها بعض النظرات. ماذا عن الفروق الفردية بين الأفراد فهل كل الناس تتحدد شخصيتهم وفق النظرية السابقة وإلى أي مدى يكون التباين؟ هل الذكور والإناث يمرون بنفس المراحل؟ إلى أي مدى تتداخل تلك المراحل الزمنية؟ وأخيراً هل كل المجتمعات المختلفة عن بعضها البعض ثقافياً تمر في أطوار النمو السيكولوجي بنفس السمات؟
رغم كل التساؤلات السابقة تظل نظرية أريكسون هامة في ميدان علم النفس (Rosenfeld & Stark, 1994, p255) وتمد الباحثين في الحقل التربوي بإطار عام لمعرفة أوجه نمو الفرد وتعطي التربية الأسرية والاجتماعية محاولة جادة لفهم نمو خصائص شخصية الإنسان وملامح ومتطلبات كل مرحلة.
المعلمون يجدون في نظرية أريكسون نظرات عميقة لعملية النمو يفهمون من خلالها أنفسهم وغيرهم، مما يشجعهم على بذل المزيد من الجهد الواعي المنظم في التدريس (Palmer, 1998, p. 48). من شأن تلك النظرية أن تمد الباحث بتصور عام لفهم الإنسان وكيفية التعامل معه. عندما نضع قصص تربوية للطفل في مرحلة رياض الأطفال مثلاً فنحن بحاجة إلى أن نعرف سيكولوجية الطفل في هذه المرحلة ويمكن للنظريات النفسية أن تمدنا بخصائص كل مرحلة وعلى ضوئها نحدد موضوعات قصصنا وكيفية روايتها.
يجب على المؤمن أن يتأمل ويتعلم من مراحل نمو الإنسان لأنها تدل على عظمة الله سبحانه. قال تعالى"يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَاء إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ" (سورة الحج: آية 5). يبدأ الطفل ضعيفاً في أول مرحلة عمرية ثم في آخر محطة يعود الإنسان كما كان.
تقبلـوا تحياتي
ولكم مني كل الفضـل
ولكم مني كل الفضـل
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق